كلمة من القلب

عِندما نَكتبُ كَلماتنا على المساحات البيضاء..نكتبُ جزءًا من أَرواحنا على الزُرقةِ الإلهية

قُلْ للغِيابْ

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEictbpk3wYXn_4Lt8ho7nDSYEdm7_i7-oC4kyo2TB-K10whIdasYp8nBSnTh8ONzCkVQ6IYY4d_uzXcNODocD4D8XqV4GkOf2zT52VpObEX_XSC1PktOhg61cREL5GjQBhV0q9bwrksYYY/s400/333.jpg

أَتَأخُذنِي مَعَك ؟


فَأَكُونَ خَاتَم قَلِبكَ الحَافِي ، أَتَأخُذني مَعَك

فَأَكُونَ ثَوبكَ فِي بِلادٍ أَنجَبَتكَ ... لِتَصرَعك

وأَكُونَ تَابوتًا مِن النِعَناعِ يَحملُ مَصرعك

وَتَكُون لِي حَيًا وَميتًا

محمود درويش

حبلى بالياسمين



إذا ما جاء الموت الآن، سيكون سهلًا، تَنسابُ روحي في سماءِكِ ويهدأُ جسدي تحت تُرابِكِ، ليس مهمًا أن تنتهي الحياة هنا...أنا معكِ ، أتنفس هواهكِ.. أشم ُرائحة أولياءكِِ وقديسكِ، و أرى بني أمية في أزقتكِ يعبرون.
إنها الشام ، يكاد صوتي يَتَفَتَتُ ...همسُ الذكريات...صورُ الأحباب
..
إنها دمشق عيناي...صوتي...ملامحَي وما تبقى لكِ من بياض الأيام
.

ها هي السيارةُ تتجه بينا عابرة "القنوات" باتجاه"باب الجابية" لنتوقف على بعد أمتار من بيتِ جدتي، وأمتار أخرى تفصلني عن مآذن الجامع الأموي وساحته، والبزورية وباب سريجية وسوق الحميدية وسوق مدحت باشا، وسوق القباقبية، وحمام القيشاني، والقمرية، يخرج التاريخ في لحظةٍ أمامي، وانحني لأعبر خلاله واستعيدَ كُتب التاريخ ومدرستي القديمة.
وها هي أولُ الذكريات، "سبيل الماء" في بداية "الحارة" وتلك الكتابة المنقوشة على الرخام ،الذي كان أبيضًا، "الفاتحة على روح المرحوم..." ...أتأملها وأفتح "الحنفية" إلى أقصاها كما كنتُ أفعلُ عندما كانت يداي لا تَطالُها..."تطرطشني" ذراتُ الماء المُتدفق، أمدُّ يدي لأشرب، و اسمع صوت إنطفاء بركان الظمأ في قلبي، عام من العطش، عامٌ يا غالية لا أرتوي ولا يُطفئ نار شوقي إلى ماءِكِ إي ماء..عام ٌيا حلوة يا شهد، يا نهر الجنة على الأرض...دعيني أشربُ حتى الثمالة...
وأقترب من ذلك الباب، وسيلتي لأتعلم إيقاعات الدربكة،..خربشات
الكلمات،ألمسها بأناملي، أحفظُ تفاصيل استدارتها، وتَخُصرها، واليدّ التي نقشتها والأيدي التي لمستها وكل من مروا بها سالمين.."بيت جدو أبو يحيي"... ونقش "احبك" ..."محمد علي...الله يذكرك بالخير يا أحلى أبن جيران"..
اعذرني أيها الباب...اعذّر من يعتقدون أنك أصم...اعذر من سيعتقدون أني جننت حين انحني وأقبلك
.
أمسك "سقاطة" الباب، كانت كبيرة في صغري والآن باتت أكبر من كل شيء، وأطرق الباب، يكاد قلبي يخرجُ من قلبي
...
وأسمعُ صوتها قادم من بعيد...خطواتها...قدماها الصغيران الأبيضان كزهر
اللوز، وعينيها البراقتان بفرح توقعها لقدومنا، يداها الدافئتان وسيلتي للدعاء...تلك البلاطات أحفظ تفاصيل نقوشها..اعرف عددها ...ستة، سبعة، ثمانية...مئة وعشرون...يد الباب أرجو أن لا يكون خالي قد أصلحها وبقيت "مخلوعة"، يكاد جسدي ينهار أمام نشوة الروح، ويطل وجهها الذي ما استطاع الوقت أن يغير ملامحه ولونه وصفاءه وجماله الوراثي عن الدمشقيات المختلف عن أي جمال، وها هي الدموع تمنعني أن اكتشف تعب السنين الظاهر عليها، على يدها أنهار تماما أقبل خدها الطري، ألمسه بشفاهي علني اعرف حجم حزنها في غيابي،واشتهي الصلاة عند قدميها.

أدخل
جنة طفولتي...لم يتغير شيء اسمع الجدران تهلل لقدومي وصوت الحمام يسبح الله شكرا لعودتي وتلك الشقراء تقترب مني بحذر تشتم رائحتي ثم توغل، لم تنسني...أضمها، أعانق فيها شقاوة الطفولة ومراهقة الشباب، تتفتح عيون الياسمين وتخرج الطيب الذي خزنته لي منذ ودعتني، كل هذا العطر لي...هي لي...أنا منها وهي قطعة من روحي، وتبدأ الألحان، نافورة البيت تصدح بالغناء...اشجني، أطربيني، فقدت الذوق فعلميني فن الاستماع.

ويرتفع
صوت الأذان...الله أكبر...الله أكبر، يا مآذن الجامع الأموي خائفة فخبئيني ، ضعيني نقشا على جدرانك، ملحدة، فعلميني الأيمان، "اشهد إن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله" وكأنني أدخل الآن الإسلام...

"حي على الصلاة...حي الفلاح" لنتوضأ يا شام قد حان وقت الصلاة
....


ويصمت الكون
...
دمشق..
يا قصيدة حب على جسدي
ورائحة عشقٍ تقتلني وتحيني من جديد
..
دمشق
..
يا نبض القلب
وروح تنثر الفرح...في دمي
وتقتل الحزن القديم
..
دمشق
...
يا ظمأى...حتى أرتوي بمائك
وكفري...حتى أصلي على ترابكِ
واختناق حروفي...حتى أتنفس هواك الحبيب
دمشق
..
يا أجمل الطفولة
..
وصوت الذكريات
وصور الأحباب
ورائحة الصباح
...
ونداء البائعين
..
دمشق
يا مآذن الجامع الأموي...تسافر في دمي
يا مدرستي...وشباك غرفتي
وقطتي الماكرة الشقراء
..
والحمام ينام على أسوار بيوتنا
..
والسنونو...يرسم وجه السماء
..
دمشق
جدتي...الغالية
وأمي
...
يا امرأة حنونة
...
تمشط شعري الطويل
..
وتروي لي حكاية
لأغفى..في رحمها كل مساء
دمشق
..
لغتي...في صمتك
وأوراقي..سماءك

وبردى...حبر الأقلام
دمشق
..
يا عيون قلبي
...
وخارطة عشقي
...
وبوصلتي...ونجمتي في الضياع
دمشق
...
قاسيون...يا حبيب القلب
وملك العاشقين

دمشق
...
ورد...فل

وياسمين

رقرقة نافورة...لحن قيثارة
وتوت شامي
ظل وشمس

وقمر يضيء درب العاشقين
...
بيوت مغرمة
...
وقطط
تعلم الحب للعالمين...
شام
...
يا جنوني
...
هل تسمعين
..
يعتقدون أني حبلى بالياسمين
..

ابنتكِ جدل

دمشق


7/حزيران

صيف 2007
جزء من مذكرات دمشقية

1 comment:

  1. رائعه رائعه , التفاصيل , المكان , السرد ..
    صـحيتي المكان المنسي بداخلي
    تحياتي الك و لدمشقنا

    ReplyDelete